في تقرير موسّع نشره الصحافي أمير بوحبوط في صحيفة "والاه" العبرية، تناول الكاتب ملامح المواجهة المقبلة بين إسرائيل وحزب الله، مسلّطاً الضوء على ما وصفه بـ"التهيئة الممنهجة" من قبل الحزب لخوض حرب جديدة، تشمل إعداد خطط لاقتحام مستوطنات الشمال القريبة من الحدود، إطلاق طائرات مُسيّرة هجومية، وإعادة بناء معاقله داخل العاصمة بيروت.
ووفق التقرير، يتساءل بوحبوط ما إذا كان الجيش الإسرائيلي سيتمكّن في المقابل من التوغّل حتى بيروت وسهل البقاع في حال اندلاع الحرب، مشيراً إلى أن الحضور الإيراني لا يزال فاعلاً في لبنان، حيث يواصل تقديم الدعم اللوجستي والتقني لحزب الله بهدف ترميم قدراته العسكرية.
يؤكد التقرير أن الجيش الإسرائيلي يستغل فترة "الهدنة" لتعزيز إنجازاته العملياتية على الجبهة الشمالية، إذ ترى المؤسسة العسكرية أن هدف الضربات الحالية هو منع حزب الله من إعادة بناء قدراته، وإبطاء عملية إعادة تنظيمه للحرب المقبلة. ويشير بوحبوط إلى أن الحزب يعتمد سياسة "الاحتواء المحسوبة"، حيث يضحي بعناصر تكتيكية عند الحدود مقابل الحفاظ على هيكله التنظيمي وقدراته في العمق اللبناني.
وبحسب أرقام صادرة عن الجيش الإسرائيلي نقلها موقع "والاه"، فإن قيادة الشمال قتلت نحو 330 عنصراً منذ بداية فترة الهدوء، بينهم عشرة من حزب الله خلال الأسبوعين الماضيين، إضافة إلى عشرات الغارات الجوية. كما أكمل اللواء 91 بقيادة العميد يوفال جاز أوسع تمرين عسكري له منذ اندلاع الحرب، شمل عمليات دفاع وهجوم في البرّ والبحر والجو، في إطار رفع الجهوزية لمعركة مقبلة يُتوقّع أن تتركّز في عمق لبنان.
ويضيف بوحبوط أن حزب الله، كتنظيم عسكري محترف ومدرّب، يدرس بعناية تجارب الحروب السابقة بمساعدة مباشرة من المستشارين الإيرانيين، ويسعى لتطوير معادلات تهديد جديدة تختلف عن تلك التي استخدمها في المواجهات السابقة. ونقل عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن "حزب الله تلقّى ضربات قاسية لكنه حقّق أيضاً إنجازات سيحاول البناء عليها في الحرب المقبلة"، فيما تبذل شعبة الاستخبارات الإسرائيلية "أمان" جهوداً مكثّفة لتطوير نموذج إنذار مبكر يمنع تكرار سيناريو مفاجئ شبيه بأحداث 7 تشرين الأول.
ويتابع التقرير أن حزب الله نقل مراكز ثقله العسكرية إلى عمق سهل البقاع، ما يعني أن أي مواجهة قادمة ستتطلّب مناورة برية وجوية واسعة داخل لبنان لتدمير الصواريخ والمسيّرات التي يطلقها التنظيم نحو العمق الإسرائيلي. ويرى بوحبوط أن الجيش الإسرائيلي سيكون مضطراً لاستخدام قدرات مدرعة أكبر ودبابات متقدّمة ودعم نيراني مكثّف من الجو والبر، إلى جانب تحسين القدرات اللوجستية وتوفير حماية متنقلة للوحدات الميدانية.
ويشير الكاتب إلى أن الحزب يحتفظ بورقة "الاقتحام البري" لمستوطنات الشمال ليوم القرار، ورغم أن الجيش الإسرائيلي نجح في إحباط بعض هذه الخطط، إلا أن حزب الله لا ينوي التخلي عن هذا الخيار مستقبلاً، بل سيحاول توسيعه وتطويره ليشمل عدة محاور يصعب على الجيش التصدي لها.
كما يلفت التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي يراقب عن كثب الوحدة 127 التابعة لحزب الله، المختصة بتشغيل الطائرات المسيّرة، والتي شهدت في الأشهر الأخيرة تطويراً ملحوظاً في أساليب عملها وانتشارها داخل الأراضي اللبنانية. ويقول بوحبوط إن هذه المواجهة ستكون "حرب عقول" بين تقنيات الدفاع الإسرائيلية وأساليب الإخفاء والتمويه لدى الحزب، في ظل بيئة حضرية معقّدة تتداخل فيها الأهداف العسكرية مع المنشآت المدنية.
ويحذّر التقرير من أن اندماج مقار الحزب في البنية السكنية اللبنانية، وإخفاءه أسلحته ومنشآته تحت الأرض، سيجعل من الصعب على الاستخبارات الإسرائيلية تحديد الأهداف بدقة، مشيراً إلى أن حربَي لبنان وغزة أثبتتا أن القصف الجوي مهما بلغت شدّته لا يمكن أن يكون بديلاً عن العمليات البرية والهندسية، ما يزيد من حجم المخاطر على القوات الإسرائيلية.
ويختتم بوحبوط مقاله بالتأكيد على أن الحفاظ على "الشرعية الدولية" لأي عملية عسكرية إسرائيلية سيكون عاملاً حاسماً في مدى قوتها واستمراريتها، إذ إن غياب الغطاء السياسي سيحدّ من قدرة تل أبيب على التحرك بحرّية داخل الأراضي اللبنانية. ويضيف أن تدمير مئات الصواريخ وآلاف القذائف في المرحلة الأولى من الحرب سيتسبب بأضرار بيئية وبشرية كبيرة، الأمر الذي سيُلزم إسرائيل بإطلاق حملة إعلامية ودبلوماسية واسعة لتبرير ضرباتها، خصوصاً في العاصمة بيروت حيث يعيد حزب الله تثبيت وجوده العسكري والسياسي.
ويخلص التقرير المنشور في صحيفة "والاه" إلى أن الحرب المقبلة بين إسرائيل وحزب الله، إذا اندلعت، ستكون متعددة الأبعاد وتشمل جبهات برية وجوية واستخباراتية، في وقت تتشابك فيه الاعتبارات السياسية الإقليمية مع الميدانية، ما يجعل المواجهة المقبلة مختلفة تماماً عن كل ما سبقها.